الأحد، 15 سبتمبر 2019

صدام والمقاومة العراقية والثورة السورية وآل سعود والقراءة الخاطئة!


  لم تستطع القيادة العراقية بعد 1979 من قراءة الطابع الوظيفي الاستراتيجي لنظام خميني في السياسات المستقبلية الامريكية والغربية في المنطقة شأنها في ذلك شأن جميع الأنظمة العربية والمثقفين والساسة العرب حيث أن الجميع كان ومازال غارقا في وهم العلمانية المطلقة للحياة السياسية الغربية المهيمنة على إدارة العالم متناسين نظريات كيسنجر وبرجنسكي حول استخدام الدين في وقف التمدد الشيوعي ومن ثم بعد ذلك هوية العدو الذي رسموه لأنفسهم مسبقا والذي سيقف عائقا أمام نشرهم العولمة الثقافية والتجارية المرجوة وبرغم انكشاف كثير من الدلائل الدامغة التي تشير الى ان علاقة نظام خميني بالولايات المتحدة الامريكية ليست في حقيقتها كما تبدو عليه,  إلا ان مشهد الجماهير الإيرانية وهي تنهي حكم الشاه وتستقبل الخميني بقي عالقا في اذهان الساسة والمثقفين العرب الذين هم دائما ما ضحايا المظاهر التي تسلبهم البابهم ولم يدخلوا يوما عمق الظواهر ولا تحليلها تاريخيا ولا يملكون نهجا واضحا في التفكير والتراتبية المنطقية فهم منشغلون بقراءة المشاهد حسبما تمليه رغابتهم وحاجاتهم السلطوية بالنسبة للساسة  واحقادهم الايدلوجية بالنسبة للمثقفين فغابت عنهم تجربة الغرب مع رئيس الوزراء الإيراني "مصدق" وكيف استطاع الغرب تأليب الشارع الإيراني ضده واسقاطه بعد أن اوصله الشعب بنفسه لرئاسة الوزراء! ومازلنا للأسف نتجاهل هذه الحقائق عندما ننظر الى التجربة المصرية وكيف ان الجيش المصري سمح بأسقاط حسني مبارك ثم استطاع من جعل الشعب ينقلب على ثورته ثم يعود للحكم باسم الشعب!
القراءة الخاطئة والقاتلة لطبيعة العلاقة بين نظام الخميني والغرب بقيادة الولايات المتحدة جعلت القيادة العراقية زمن صدام حسين تعتقد أن الولايات المتحدة لن تقدم على اسقاط نظام صدام العلماني الذي يقف سدا بوجه نظام يميني متطرف يناقض التوجهات الفلسفية للحضارة الغربية حسب التصور العلماني العربي الساذج! ولذلك فان المثقفين والساسة العرب مازالوا لا يجدون ما يصفون به احتلال أمريكا للعراق سوى الحمق والتهور وهم يعيشون حالة من الانكار المتعمد ويعود ذلك الى ان اقرارهم بان الغرب يرعى نظام الخميني هو إقرار بهزيمتهم الفكرية التي بنيت على ان العالم الحديث لا علاقة له بالجذور الدينية وان العلمانية تسع الجميع! ولسنا هنا بصدد سوق الشواهد على ان علمانية الغرب ليست خالصة كما يعتقد البعض وإنها ذات علاقة وثيقة بجذور الغرب الدينية فهذا موضوع آخر ولكني أحاول هنا تبيان الكوارث المترتبة على هذه القراءة الخاطئة ونتائجها على بلادنا وعلى الربيع العربي. ان تبني النظام العراقي السابق القراء التي اشرنا اليها للمشهد وان الولايات المتحدة وبريطانيا لن يعمدا بسببها الى اسقاط النظام والدولة في العراق "هذه القراءة" الخاطئة أدت الى اتخاذ إجراءات احترازية خاطئة في مواجهة الاجتياح الأمريكي للعراق حيث فضلت القيادة العراقية الاحتفاظ بخطة عسكرية تقوم على الحرب الكلاسيكية النظامية وبقيادة مركزية حفاظا على مركزية القرار والعمود الفقري لنظام الحكم برغم علمه مسبقا انها استراتيجية فاشلة في مواجهة أمريكا لو انها عمدت الى احتلال العراق واسقاط الدولة اعتمادا على قناعته ان العمل العسكري الأمريكي لن يصل الى حد اسقاط الدولة ولذلك استبعد النظام فكرة مقاومة العمل العسكري الأمريكي المتوقع على أساس حرب العصابات والمقاومة  واللامركزية في القيادة خوفا من فقدان السيطرة فيما بعد توقف العمل العسكري الأمريكي "فأنظمتنا مهووسة بسلامة النظام أكثر من أي شيء آخر" واهدرت أعوام طويلة كان يمكن تكرس الى اعداد جيش يحمل تكتيكات المقاومة وحرب الشوارع التي كانت كفيلة بردع التفكير الأمريكي بغزو العراق.
لم يتوقف الامر عند ذلك في كارثية النظرة الخاطئة لطبيعة علاقة نظام خميني بالغرب "سواء كان ذلك عمالة مباشرة ام تبادل مصالح وتخادم وبرغماتية فالنتيجة واحدة" فقد انعكس ذلك فيما بعد على طبيعة العمل المقاوم للاحتلال الأمريكي الإيراني للعراق بشقيه المسلح والسياسي واستطاعت كلٌ من الولايات المتحدة وإيران باتباعها النهج الإعلامي المتوتر بينهما من خديعة الأنظمة العربية وخديعة البيئة الرافضة للاحتلال بوجود عداء بين الولايات المتحدة وإيران ووجوب الاستثمار في هذا العداء واقنعت الكثير منهم أن مواجهة ايران في العراق تمر عبر دعم الرؤية الامريكية في العراق! وهكذا انخرطت الأنظمة العربية في تدجين البيئة المقاومة للاحتلال وتمزيقها بوعود الدعم الأمريكي اذا أوقفت المقاومة "الإرهاب" واذا تم الانخراط في العملية السياسية بينما كانت أمريكا تسلم العراق كاملا الى ايران باتفاق مسبق بينهما اعترف به الرئيس الإيراني خاتمي علنا فيما بعد وكما تشير اليه كتب بريمر وخليل زادة فبوش هو من اشرف بنفسه على اختيار المالكي لقيادة العراق وكان يدربه على ذلك بنفسه عبر المكالمات الفديوية عبر الأقمار الصناعية كما ان الولايات المتحدة قامت بضرب القوى الشيعية التي خرجت عن طاعة حكم المالكي "الإيراني" وافضت الأمور في النهاية الى ما افضت اليه وهو غني عن البيان والشرح.
لم تتوقف كارثية هذه القراءة عن هذا بل انتقلت الى التجربة السورية بحذافيرها وقد حملها الى هناك الأنظمة العربية والاعلام والمثقفين العرب! وبواسطها تم تمزيق الثورة لسورية وتحويلها الى صراع داخلي بين فصائل الثورة أكثر منها ضد النظام الدكتاتوري وتم ذلك كله عبر غرفتين مشتركتين أنشأتهما دول مجلس التعاون الخليجي في تركية والأردن وتم من خلالهما اقناع الفصائل المقاتلة للنظام بوجهة النظر الامريكية الغربية وبرزمة من الوعود الكاذبة المستندة الى تسويق فكرة ان أمريكا والغرب لا يسمحا بتمدد إيران او باستمرار نظام الأسد في حكم البلاد. وبغض النظر إذا ما كانت هذه الأنظمة هي أيضا مخدوعة بدورها بالخطاب العدائي الأمريكي الإيراني الخادم لمصالحهما او انها مستلبة الإرادة كاملة التبعية للولايات المتحدة والغرب فان النتيجة واحدة أدت الى تصفية الثورة وسيطرة القوى الموالية لإيران على تفاصيل المشهد السوري.
كانت السعودية هي أكبر من روج لتلك القراءة على الدوام ويبدو ان التجربة المتكررة مع أمريكا في لبنان وسورية والعراق لم تكن كافية لتجعل القيادة السعودية تشعر بالقلق من طبيعة العلاقة التخادمية بين الولايات المتحدة وإيران واستمرت في استراتيجية مواجهة التمدد الإيراني الى تلك القراءة الكارثية ووعود أمريكا والغرب الذي لم يصدق معها يوما باستثناء وعوده بتدمير العراق برغم أن جميع المؤشرات تنبئ بمصير مماثل للعراق وسورية ينتظر الجزيرة العربية ووحدها القيادة السعودية التي لا ترى ذلك أو تقلق من احتماليته وذلك يثير علامات استفهام جدية حول طبيعة العلاقة التي تربط النظام السعودي بالدوائر الغربية, هل هي علاقة ندية أم علاقة تبعية كاملة؟ وما تختلف بع القيادة السعودية عن صدام حسين والمقاومة العراقية والثورة السورية يتعدى كارثة القراءة الخاطئة للمشهد الى أمر أخطر بكثير هو انها فضلا عن اسهامها في ترسيخ هذه القراءة فأنها قامت بتقويض جميع أدوات نفوذها العالمي والإقليمي فلا العالم الإسلامي " وبعد سياسات أمريكا والسعودية " مستمرا في تشكليه عامل تهديد للمصالح الغربية ولا العالم العربي المحيط بالجزيرة بات يحمل أي قدرة على تشكيل خط دفاع عن الجزيرة العربية.